Friday 16 March 2018

براح

إني لأرجو أن أنتبذ من الشجن مُستقراً نائياً عن طيوره الجارحة التي تُحلِق حولي وتنعق دون رهّق , فإني مُتعبٌ وواهن ولا يصحبني سوى ذلك الوجه القاتم والنغم الذي مللته ومللني ..
بئس الحظ أنه يلاحقني في كل مكان بل وينعكس على وجوه البشر اللذين ألتقيهم أو تلقى عيناي عيناهم. منذ أيام اجتمعت بهم – بعض البشر - واستأنسنا بأنفاس بعضنا البعض وآملنا أن تتسرسب منا شرذمات الأمال لتتناسل وتسكننا , فكلمة هُنا وبسمة هُناك ومزحة هنا وخاطرة هناك نخلِق منهم صِلصالاً من الطمأنينة يصحبنا في رحلتنا المُرهِقة ..
إني لا أقوى على نسيان أعينهم وهي تذرف الدمع خِفية وأفواههم وهي ترتجف من هول ماضيهم بينما تُطلِق خبايا أرواحهم الباكية وتُغلفها بإبتسامات مُزيفة ..
إلتقينا لنتحاور ولنلقي مابجعبتنا من أفكار وشعور وربما مخاوف أو أحلام ! إلتقينا لتلتئم بداخلنا جروح الروح وتتجدد أنسجة أنفسنا مرة أخرى ..
وأنا – وإن كنت لا أؤمن إيماناً كاملاً بالبشر – قد صِرتُ جزءاً من تلك الدائرة البشرية التي إنتقلت عبرها سُنن الحياة تمُر أمام أعين الجميع في خيلاء تؤكد على هيمنتها بكل محاسنها ومساوئها دون أن ينبسَ أحدٌ منا ببنت شفة , ما كان مِنا سوى أننا طمئننا قلوبنا بجهل الغيب والمآل والتضرع إلى الله ..
لم أطلِق الطيور الزرقاء بداخلي لتُحلق حرة وكبحت زمام الشعور سئماً من تكراري للمفردات البالية دون جدوى ولكنني عانقت الجميع بعيناي وسكنني أملهم وألمهم حين أبصرتُ بقلبي حُطام جدرانهم وقتما إفتقدوا أحبتِهم اللذين خلدوا إلى التُراب وحين تحدثوا عن ظُلمة وبرد ليالي الشتاء التي خلت من الأمال دون أن يؤنسهم شئ سوى أنفسهم التي تعبت من الركض في مضامير الحياة وحين ضحِكوا في حسرة على الخيبات والأحلام التي تطايرت كالعطور الرديئة واختفت عن أردية أرواحهم فتحولت مآسيهم إلى كوميديا سوداء !
ولكنهم في نهاية المطاف إبتهجوا وضحكوا وعزفوا أنغاماً على أوتار سعادتهم التي لم تصدأ وأنقضوا ظهر الحُزن الذي ظلل أيامهم طويلاً ! لقد كان لقاؤنا مسرحية تراجيدية تجسدت عبر مشاهدها الحياة بشتى الصور ..
فإلى أولئك اللذين دهنوا جدرانهم السوداء بألوان السلام وصفعوا الحزن وتفادوا السقوط والإستسلام وآثروا الصمت ومواصلة المسير ..
سلامٌ على أرواحكم وسعادةٌ تصحبكم إلى نهاية دروبكم العطِرة ..





No comments:

Post a Comment

طائر أزرق

حينما أحببتُ , وشِمَ على رسغي طائرٌ أزرق , وسَكَنْ. بدا الأمرُ كما لو كان بديهياً أن يَسْكُنَ رسغي طائرٌ أزرق يَحمِلُ بمنخاره نبتةَ لافن...