Friday 29 December 2017

The sonata of 2017 " Four seasons "

الشتاء ..
وقفت في شرفتي , زاغ بصري في غيوم الأفق وتلحفت ببردٍ قارصٍ سادي فتجمد الدمع على وجهي , فقد ذبُلت الأزهار التي زرعتها على السور وسقيتها من قنيناتي , حتى أنني جالستها دون سئم وراقبت نضوجها ولم يكن ليومي أي مزاج جيد دون أن يداعبني أريجها بُكرةً وأصيلاً . تلك الأزهار التي تحطمت أصائصها وتفتتت وبات مستحيلاً أن تسترجع رونقها الذي زينها طويلاً ..
تجلت الأسئلة في ناظري كقطرات المطر الباردة .. هل ذبُل الزهر لكثرة ماتلقى من ماء ؟! أم ذبُل بفِعل قتامة الشتاء ؟! أم أنه سئم شرفتي فنزف الندى المُتبقي وذبُل بملئ إرادته هرباً من الملل والعناء ؟!
هطل المطر غزيراً .. ولم يكن للدفئ حينها سبيلاً !
وذلك الطفل ذو العام الواحد الذي لا طالما كان أنيسي منذ حلوله البيت , أحببته بكثرة وناولته روحي ينهل منها ماشاء من السعادة والحب والأمال التي باتت ألام تعصر النفس حينما رحل عني وعن أي جوار وإستقر في تابوت تحيطه جوقة من الكيانات السوداء تُرتِل أناشيد الوداع الأخير .. في تراب الوحدة قد دُفِن الجسد وفي دوامة الدهر غاب الأثير ..
هطل الدمع كثيراً .. ولم يكن للحياة حينها سبيبلاً !
قد بكى طويلاً طفلي قبل أن يمُت. وبرغم برودتي وأحيان القسوة وبرغم عناده وصياحه وبكائه المُزعج , كللت أذنه كل ليلة بنغمات من قيثارتي التي لا طالما أحبها فكان يسكُن ويهنئ بالنوم حتى وإن كان نهاره مريراً !
وهو قد عشق أصائص الزهر في شرفتي وداعبت ألوانها عيناه وقفز فرحاً كلما نضجت من سقاياتي وزمجر غضباً حينما أعرضت عنها قليلاً . ولما باتت فُتاتاً بكى علي طللها بكاءاً أليماً وقضى بجانبها حينه الأخير . وما كان طفلي للكلام أو الإدراك مُدركاً فطغى على روحه السواد فإبتلعه ولم يجد منه مفراً . ولم يكن لحياته حينها سبيلاً !

الربيع ..
بدت الحديقة بديعة وناداني الورد مُتراقصاً مُنتصراً في عراكه مع قتامة الفصل المُنصرِم . هربت نحو الحديقة .. أردت أن أدهن العين بالألوان ولكنها لا ترى سوى الرمادي الضبابي فلا رقص الورود أثار بهجتي ولا أريجها نسّم هواء روحي.
أحمل على عاتقي عبئاً قد أنقض ظهري , عبئاً غير مرئي لم يلحظه أقرب الأقربين فضلاً عن ذكرى قد أوصدت أبواب الحياة في وجهي ..
رآني بشرٌ ودودون أجالس اللاشئ والحزن أنيسنا , فإخترقوا المساحات وألقوا لي الكُرة فناولتها في سئم , وألقوها مجدداً فناولتها بغضب , وألقوها للمرة الثالثة فنهضت عازماً على الصياح بيد أن بسمتهم قد قتلت الرغبة وتوقف في نفسي لوهلة النواح ..
وبدأت ألقي الكُرة .. وقد إتسعت دائرتهم لتضم لاعباً جديداً ..
إعتدت اللهو اللحظي . أذبت الألام في دُعابة يتبعها ضحك مجلجل , أو فنجان قهوة كريه يؤرقني , صرخة تشجيع لفريقي المفضل , عرقلة عنيفة في الملعب , كتابٍ , فيلمٍ أو مُسلسل !
أنهكت جسدي ليطبق على روحي ليلاً هرباً من الأرق والذكرى التي لم تنم !
صرت أتوق إلى مباريات الكُرة وأصبو حلول ميقاتها لأفرغ مابجعبتي من ألامٍ تطاردني ككلبٍ أخرق !
وقد مر وقتٌ طويل حتى تيقنت أن للكرة لونٌ أحمر .. !  

الصيف ..
إما أنني أهلوس فاقداً ماتبقى من عقلي أو أنه بالفعل قد إنبثق جناحان سوداوان من ظهري !
أحتجزتني نفسي داخل غرفتي التي رمتني جدرانها بنظرات ساخرة , فذاك الذي تراقص من الفرح منذ عام هاهو الأن يُرهقنا بنحيبه الليلي ووجهه الكئيب , يلقي كلماته المُعادة ولكن هل من مُجيب ؟!
لم تكن تلك الأجنحة السوداء تنتمي إلى جسدي المُرهَق , بل هي لزائرٍ أحمق يتبعني كالشيطان يراوغ المسيح في جسد حِية !  
في الطرقات حيث تتساقط أفكاري وما أشعر على الطريق المظلم , يلملمها ويلقيها فوق عاتقي مُجدداً فأنثني وينحجب عني دربي ..
في المِرآة حيث أوجه كلماتي راغباً الخلاص , أتبين أجنحته , يتلقى كلماتي ويصفعني بنقائضها ضاحكاً مُبدداً ماقمت بتجميعه من حُطام نفسي ..
إعتدت مُسامرته , فعلى الرغم من كل شئ هو جليسي الوحيد. غرقنا سوياً في الأشعار والكلمات , وتراقصنا على نغم الصَبا والقيثارات ..
صرت أدلِله بحزني وأطعمه من ذكراي وأسقيه من كآبتي .. فبات سعيداً !
لاحقاً سئمته فتعاركنا عراكاً بدا سرمدياً .. وقد أنهكتني قواه بيد أن الندوب في كيانه المُظلِم صارت على معركتي خير شهيداً !

الخريف ..
زوربا .. زوربا .. زوربا
" هل بإمكاني الرقص ؟! " .. سألتُ , وقد أوتيت الإيماء إيجاباً. إتسعت حلقة الرقص في الحديقة وقفزات الراقصين تؤرق إستلقاء ورق الشجر المُتساقط ..
زوربا .. زوربا .. زوربا
رياح الخريف تروح وتجئ وتؤرجح حزني , فحيناً ترضى فأحلق في هواءٍ بنكهة السعادة , وحيناً تقسى فأركد كبِركةٍ جافة , ككأسِ فارغ في حانة قد تخطى مُتجرعه حد الثمالة !
زوربا .. زوربا .. زوربا
يفوح عبق الفرح وتصل النشوة أقصاها , فأقفز وجمع الراقصين , نتمنى التحليق إلى مدى بعيد . أتصاعد عن الأرض وسماها . أقفز ويحاوط قدماي ورق الشجر الخامل وأسمع بعمقٍ أنين الحفيف , يذكِرني بما تساقط من شجرة روحي قبل ذلك الخريف ..
زوربا .. زوربا .. زوربا
يتطاير ورق الشجر شاقاً طريقه نحو أراضٍ مجهولة ودربٍ قاتم . أقفز وأرقص في إنتظار الزهر القادم ..
زوربا .. زوربا .. زوربا


الشتاء مجدداً ..
أقف في شُرفتي , يزوغ بصري في الأفقِ وأتلحف ببردٍ قارصٍ سادي ليتجمد الدمع على وجهي ..
طفلي قد عاود النواح , زائراً في الحلم والإدراك , في الليل والصباح !
لا يزال فُتات الأصائص على أرض الشُرفة بلا نية لمفارقتها .. كذلك الطفلُ قد مات جسداً ولكن نفسه لن تبارح نفسي ..
زوربا .. زوربا .. زوربا

   

طائر أزرق

حينما أحببتُ , وشِمَ على رسغي طائرٌ أزرق , وسَكَنْ. بدا الأمرُ كما لو كان بديهياً أن يَسْكُنَ رسغي طائرٌ أزرق يَحمِلُ بمنخاره نبتةَ لافن...